الدكتور جونزالو كاسترو دي لا ماتا
المدير التنفيذي لـ "إرثنا – مركز لمستقبل مستدام"
تعتبر النظم البيئية الطبيعية ضرورة لاستدامة المجتمعات البشرية حيث توفر الخدمات التي تساعد في تنظيم المناخ وإعادة تدوير المياه والمواد المغذية وتوفير تربة خصبة وتلقيح النباتات وتجديد موارد الأرض. كما أن هذه النظم البيئية الطبيعية وما تنطوي عليه من تنوع بيولوجي كانت ومنذ قديم الأزل مثارًا للإعجاب ومصدرًا للجمال والإلهام لجميع الثقافات حول العالم.
غالبًا ما يتم تصوير النظم البيئية المثالية في الثقافات الشعبية على أنها غابات استوائية مورقة، حيث تستوطن المخلوقات الغريبة في أشجارها العملاقة، وتتدفق مياه الأنهار فيها بلا نهاية - هي باختصار مناطق غنية بالتنوع الحيوي.
لكن ماذا عن التنوع الحيوي في البلدان الصحراوية مثل قطر؟ هل يعني نقص المياه والارتفاع الحاد في درجات الحرارة أن التنوع الحيوي هنا أقل أهمية وجاذبية وقيمة عما هو عليه في المناخات الأكثر اعتدالًا؟
بالنسبة لي الإجابة هي عكس ذلك تمامًا. فعلى الرغم من الظروف القاسية، إلا أن الصحراء لا تفتقر أبدًا إلى التنوع الحيوي، فقد أدى نقص المياه وارتفاع درجات الحرارة الشديدة في البيئة الصحراوية إلى خلق أنواع مذهلة من النباتات والحيوانات، التي اضطرت للتكيف مع بيئتها القاسية بطرق فريدة ومبتكرة، لتنسج بذلك أمثلة مبهرة على الصمود.
فرغم أن الصحراء قد تبدو خالية من الحياة بالنسبة للعين التي لا تألف دروبها، إلا أنها غالبًا ما تزدهر بمجموعة متنوعة من النباتات والحشرات والزواحف والثدييات الصغيرة، لتشكل بذلك نظامًا بيئيًا معقدًا وفريدًا من نوعه؛ نظام نشأ نتيجة الحاجة الأساسية لتقليل التبخر والحفاظ على المياه.
فعلى سبيل المثال، تزدهر معظم النباتات في الصحراء فقط عندما توفر قطرات المطر النادرة فرصة للإنبات والإزهار. فالنباتات تستمد في هذا الوقت القوة من تغذية المياه التي تبث فيها الحياة وتمكنها من إنتاج البذور. ومع مرور الوقت، تكتسب هذه البذور صلابة طبيعية ويمكن أن تظل خاملة لسنوات عديدة في الأرض، في انتظار هطول الأمطار، لتبدأ الدورة مرة أخرى وتسمح بالحفاظ على معجزة الحياة.
تتمتع الحيوانات الصحراوية، التي يعتمد الكثير منها في تغذيته على هذه النباتات، بنفس القدر من الصمود، حيث طورت قدرة فطرية على خفض معدل التمثيل الغذائي لديها والدخول في حالة من السُبات للحفاظ على الطاقة عندما تجف الأرض ويندر الغذاء. وبالمثل، استطاعت الحشرات الصحراوية التأقلم مع مرور الوقت لضمان بقائها على قيد الحياة في ظل الظروف القاسية، فمنها التي تغير لونها لتنظيم درجة حرارة الجسم عن طريق امتصاص الحرارة وعكسها، ومنها من تقوم بتطوير بروتينات محددة لحمايتها من الإجهاد الحراري، أو تغير النظام الغذائي للحصول على الماء الذي تحتاجه بشدة من الطعام فقط، والرابط بينها جميعها واضح وهو الرغبة في البقاء على قيد الحياة.
وقد صدر مؤخرًا كتاب حديث للدكتورة ريني ريشر وفريقها البحثي من جامعة حمد بن خليفة، بعنوان: "الجمال الخفي: استكشاف النباتات المحلية والمتوطنة في قطر"، يسلط الضوء على التنوع المذهل للبيئة الطبيعية في قطر والتطور الرائع لأكثر من 400 نوع من النبات في البيئة القطرية. ويوضح الكتاب أهمية صحاري قطر على اعتبار أنها ليست مجرد صحراء جرداء خاوية، وإنما هي غنية بالنظم البيئية الفريدة التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من التراث الطبيعي والتاريخي للبلاد. إن صحارى قطر تنبض بالحياة، ويجب الحفاظ على هذه النظم البيئية والاعتزاز بها لتنعم بها الأجيال الحالية والمستقبلية.
ويعد الافتتاح الوشيك لمعرض إكسبو الدوحة 2023 فرصة مناسبة لتأكيد فهمنا لأهمية الحياة في الصحراء. وسيعرض إكسبو الدوحة، تحت شعار: "الصحراء الخضراء، بيئة أفضل"، العديد من الطرق التي وفرت من خلالها البيئة الطبيعية الحارة والجافة، وما تزال توفر سبل العيش والمأوى للبشر والطبيعة في قطر. كما سيسلط الضوء على الكيفية التي يمكن أن توفر التكنولوجيا التقليدية والمتطورة من خلالها مسارات للوصول إلى مستقبل مستدام في الصحارى، مسارات تتلاءم مع الخصائص الفريدة للبيئة الطبيعية وتتناسب معها. ونحن في مركز "إرثنا"، نتطلع إلى هذا الحدث المهم، ونأمل أن يعزز نظرة المجتمع وتقديره لأهمية منظومتنا الصحراوية المتفردة.